Thursday, December 2, 2010

فائدة: الفرق بين رغد العيش بمكّة المكرّمة ورغد العيش ببريطانيا.محمد تقي الدين الهلالي ـ رحمه الله

قال الشيخ المحقّق السّلفي الأديب:محمد تقي الدين الهلالي ـرحمه الله ـ :
...والمراد بالأدب هنا الأدب النفسي وهو الخلق الحسن، وبه تتفاوت الأمم ارتقاءا وانحطاطا ، وقوة وضعفا, وسيادة وعبودية، فما من أمة كثر حظها من خلق الحسن إلاّ بلغت أوج الرقي وغاية السعادة، وإن كانت قليلة العدد, أو كانت أرضها ضيقة، أو قليلة الغنى والخير غير صالحة للزرع والضرع، قليلة الحواصل والثمرات، ضعيفة الغلات فإن جميع ما في الأرض منالخيرات والبركات يحمل إليها، كما قال تعالى في سورة (النحل: 112): {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}.
المراد بالقرية هنا أهلها، وهم الأمة والشعب، وكما حكى الله عن إبراهيم الخليل في دعائه لأهل مكة في سورة (البقرة: 126): {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَات}, وفي سورة (إبراهيم: 57): {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
ومن أقام في مكة شرّفها الله حتى قبل عصر الطائرات يرى فيها من فواكه الهند وأندونيسيا والشام ومصر ما لا يكاد عجبه ينقضي منه، مع أنها أرض جبلية قاحلة. ومن أقام في البلاد البريطانية يرى أكثر ما يؤكل فيها ويلبس ويقتنى ويتخذ للزينة مجلوباً إليها من أطرف الدنيا وهي جزائر في البحر ضيّقة الرقعة، شديدة البرد، لو اقتصر أهلها على ما يخرج من أرضهم لوقعوا في مسغبة.
فإن قلت: هذه مكة دعا لأهلها خليل الله فاستجاب الله دعاءه، ويوجد فيها قوم صالحون يعبدون الله ويطيعون أمره، والحجاج ضيوف الله تعالى يقصدونها من كل فج عميق للحج والعمرة، شعثاً غبراً، يدعون ربهم رغبا ورهبا، خاشعين الله، أما بلاد البريطانية فأيّ مزية في أهلها، وهم أساتذة الاستعمار والغزو، وكم شعوباً أناخوا عليها بكلاكلهم مئات السنين، فما تخلصت من استعبادهم إلاّ بعد ..., فبماذا استحقوا ذلك العيش الرغد، وتلك الثمرات؟ فأين الأدب النفسي والخلق الحسن من أخلاقهم الاستعمارية؟ فالجواب: أن العدل والمساواة في الحقوق والواجبات هما أساس العمران، وهما موجودان عندهم بلا شك.
أما استعمارهم للبلدان فللكلام عليه مقام آخر يطول شرحه.

منقول من رسالة بعنوان : أخلاق الشباب المسلم.
تأليف : محمد تقي الدين الهلالي ـ رحمه الله ـ
نشر : الجامعة الإسلامية.

No comments:

Post a Comment