Monday, February 13, 2012

ذم التجسس والنهي عنه في القرآن والسنة

ذم التجسس والنهي عنه في القرآن الكريم:
- نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدل على حرمة هذا الفعل المشين والخصلة المذمومة, وتبين أثرها السيئ على المجتمع المسلم وعلى تماسكه وترابطه فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12].
قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير هذه الآية: قوله: (ولا تجسسوا) يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره .. ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) .
وقال الإمام البغوي: (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها) .
- ومن ذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58].
وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس, والبحث عن سوءاتهم, والتجسس عليهم, وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم.
قال الشيخ ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله) .
- وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47].
قال مجاهد: معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس .
وقال الإمام القرطبي: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي عيون لهم ينقلون إليهم الأخبار منكم .

ذم التجسس والنهي عنه في السنة النبوية:
ولقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه, وبين أنه مفسد للأخوة, وسبب في تقطيع الأواصر والصلات, وسبيل إلى إفساد الناس:
- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً)) .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (التجسس أن لا تترك عباد الله تحت سترها فتتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس عن أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك) .
- وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) .
قال صاحب عون المعبود: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه): فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن, (ولا تتبعوا عوراتهم): أي لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم.... (يتبع الله عورته): ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة . وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه, (يفضحه): أي يكشف مساويه, (في بيته): أي ولو كان في بيته مخفياً من الناس) .
- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)). فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) .
- وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) .
قال الإمام المناوي رحمه الله: (أي ولوا عن الناس ولا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم... ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها أوقعتهم في الفساد أو قاربت أن تفسدهم لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها، والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم) .
- وعن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن أرى عينيه في المنام ما لم ير كلف أن يعقد شعيرة)) .
- وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ وَأَبي أُمَامَةَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ((إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِى النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ)) .
يقول المناوي رحمه الله: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم)


- عن ابن عباس في قوله: ولا تجسسوا قال: (نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن) .
- وعن أبي قلابة، أن عمر بن الخطاب، حدث أن أبا محجن الثقفي شرب الخمر في بيته هو وأصحابه، فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل واحد، فقال له أبو محجن يا أمير المؤمنين، إن هذا لا يحل لك، قد نهاك الله عن التجسس، فقال عمر: ما يقول هذا؟ فقال زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين هذا التجسس. قال: فخرج عمر وتركه. .

- وعن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع عمر بن الخطاب ليلة المدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف: أتدري بيت من هذا قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى قال: أرى أن قد أتينا ما نهى الله عنه قال الله: ولا تجسسوا فقد تجسسنا فانصرف عنهم وتركهم .

- وعن الشعبي أن عمر بن الخطاب فقد رجلا من أصحابه فقال لابن عوف: انطلق بنا إلى منزل فلان فننظر فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحا وهو جالس وامرأته تصب له في إناء فتناوله إياه فقال عمر لابن عوف: هذا الذي شغله عنا فقال ابن عوف لعمر وما يدريك ما في الإناء فقال عمر: إنا نخاف أن يكون هذا التجسس قال: بل هو التجسس قال: وما التوبة من هذا قال: لا تعلمه بما اطلعت عليه من أمره ولا يكونن في نفسك إلا خير ثم انصرفا .
- وعن الحسن رضي الله عنه قال: أتى عمر بن الخطاب رجل فقال: إن فلانا لا يصحوا فدخل عليه عمر رضي الله عنه فقال: إني لأجد ريح شراب يا فلان أنت بهذا فقال الرجل: يا ابن الخطاب وأنت بهذا ألم ينهك الله أن تتجسس فعرفها عمر فانطلق وتركه .
- وعن ثور الكندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس بالمدينة من الليل فسمع صوت رجل في بيت يتغنى فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال: يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل على أن أكون عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث، قال الله: ولا تجسسوا وقد تجسست وقال: (وأتوا البيوت من أبوابها) وقد تسورت علي ودخلت علي بغير إذن وقال الله (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قال عمر رضي الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك قال: نعم فعفا عنه وخرج وتركه .
- وأتي ابن مسعود رضي الله عنه فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمراً فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .
- وقال مجاهد في قوله: (ولا تجسسوا) قال: (خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله) .
- وقال قتادة في تفسيرها: هل تدرون ما التجسس أو التجسيس؟ هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سره .
- وقال ابن زيد في تفسيرها أيضاً: قال: حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه، حتى أعرف حق هو، أم باطل؟ ; قال: فسماه الله تجسسا، قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب .
- وقال الحسن: لا تسأل عن عمل أخيك الحسن والسيئ فإنه من التجسس .
- وقال أبو حاتم: الواجب على العاقل مباينة العام في الأخلاق والأفعال بلزوم ترك التجسس عن عيوب الناس لأن من بحث عن مكنون غيره بحث عن مكنون نفسه وربما طم مكنونه على ما بحث من مكنون غيره وكيف يستحسن مسلم ثلب مسلم بالشيء الذي هو فيه .
- وقال أيضاً: التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان .
- وقال: الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه

No comments:

Post a Comment