وقفات مع الدكتور إبراهيم الرحيلي حول بحثه "تأصيل المسائل"(القسم الأول)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
فقد اطلعت على بحث نشره الدكتور إبراهيم الرحيلي حول ما نشر عنه من جواب عن الدراسة عند من لا يبدع بعض المبتدعة فرأيت في جوابه بعض الملاحظات والأغلاط
وسأذكر بعضها مع التنبيه إلى أني لم أقف عند كل ملحظ عندي فإنها كثيرة وإنما سأذكر جملة من أهمها
الملاحظة الأولى: تقسيمه التبديع إلى قسمين (بحق أو بباطل) ثم تقسيم حال العامة من هذا التبديع بين مختلف فيه ومجمع عليه !
فإذا كان التبديع كما وصفه الدكتور إبراهيم الرحيلي: (تبديع صحيح وبحق وهو تبديع من دل الدليل على أنه مبتدع من المنتسبين للفرق المبتدعة كالباطنية ووو إلى أن قال: وكذا من ابتدع بدعة تخرجه من دائرة أهل السنة ولو لم ينتسب إلى أهل البدع وحكم العلماء المحققون المنصفون بأنه مبتدع فهو كذلك)
وذكر أن القسم الثاني : تبديع غير صحيح وباطل ..
فإذا كان التبديع صحيحاً وبحق فكيف يكون مثار خلاف بين العلماء؟
وهل تبديع مشايخ السنة كالشيخ ربيع والشيخ أحمد النجمي والشيخ عبيد الجابري والشيخ زيد المدخلي والشيخ صالح السحيمي ومشايخ أهل السنة في اليمن وغيرها من البلدان لأبي الحسن المأربي صحيح وبحق أم غير صحيح وبباطل؟
لأجل بدعه الكثيرة وتأصيلاته الفاسدة وتحريفاته الباطلة، ودفاعه عن أهل حرية الأديان وأخوة اِِلأديان فهل يعتد بخلاف من يخالفهم ؟ أو لم ينص على ما نصوا عليه؟
فإذا كان صحيحاً وبحق فلماذا لم يذعن له الدكتور إبراهيم الرحيلي؟
الملاحظة الثانية: ذكر أن الحكم على الشخص بأنه مبتدع إما أن يكون خلافياً بين المجتهدين وإما أن يكون إجماعياً فذكر أن الصواب هو في الإجماعي وأما الخلافي فميعه وألزم العلماء أنفسهم إما بالترجيح أو التوقف أما العامة فسيأتي ما قرره من بدعة حادثة في ذلك
وهذا التقسيم الإجمالي (حيث ذكر الخلافي ووصفه بأنه اجتهادي دون تفريق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد) هو من الأمور التي وقع فيها علي الحلبي وأشباهه من أهل الباطل الذين ميعوا أصول السنة والسلفية في الحكم على أهل البدع والانحراف
فإذا كان العلماء المنصفون المحققون اختلفوا في رجل بأنه مبتدع فهل الذين بدعوه يكون تبديعهم من القسم الذي بحق أم من القسم الذي بالباطل؟
فإن كان من الأول وجب قبوله وإذا كان من الثاني وجب رده كما هو ظاهر
أما أن تميع القضية ونشكك الناس في أحكام العلماء ما دام أنهم اختلفوا فيبقى المبتدع نائيا عن هذا الخلاف وفي أمن واطمئنان من جهة الدكتور إبراهيم الرحيلي ومن يوافقه !
وهذا هو نفسه الذي كان يريده المأربي والحلبي وأشباههما من أهل السنة أن تبدعوا وأن لا نبدع والعامة تتخبط ولا يؤمرون بالرجوع إلى أهل العلم والاختصاص في هذا الباب بل يبقى المجال مفتوحا أمام المبتدع ليحظى بتعظيم العامة والجهال
فالحق أن يذكر هنا التقعيدات السلفية من رجوع العامة إلى المتخصصين، وكذلك الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم والعبرة بالدليل
ثم لم يذكر لنا الدكتور إبراهيم الرحيلي ما هو موقف طلاب العلم من هذا الاختلاف هل يقلدوا كالعوام أم يطلبوا الحق بدليله؟
هذا مما مشى عنه الدكتور ولم يعره اهتماً في بحثه
أما العامة فقد تسلط عليهم الدكتور وأوقعهم في الحيرة والتيه وحرم عليهم متابعة العلماء في تبديعهم سواء كان ما أجمعوا عليه أو ترجح لديهم بالدليل والبرهان بحق وعلم وهدى وبينة وبرهان [وسيأتي مزيد بيان]
فما رأيت أضر على العامة والمبتدئين في حكم مما ذكره الدكتور إبراهيم الرحيلي حيث حرم عليهم ما أوجبه الله على الذين لا يعلمون فقال جل وعلا: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وقال تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} فإذا كان سبيل علماء المؤمنين وإجماعهم تبديع فلان أو تكفيره أو تفسيقه فيأتي الدكتور إبراهيم الرحيلي ليحرم على العامة والمبتدئين تقليد علماء المؤمنين!!
فانظر إلى هذا القول ما أفسده من قول وما أسوأه من تقعيد
الملاحظة الثالثة: من عجائب ما وقع فيه الدكتور إبراهيم الرحيلي من قول مخالف لما عليه الكتاب والسنة وسلف الأمة قوله في بيان موقف العامة من مسائل تنزيل الأحكام من التكفير والتفسيق والتبديع على المعينين
حيث زعم هداه الله ص15 أنه لا يجوز للعامة تقليد العلماء في ذلك وأتى بكلام موهم قد يفهمه البعض أنهم لا يقلدون في أحكامهم التي اتفقوا فيها على تبديع فلان أو فرقة وأن الله لم يشرع لهم فيه عبادة أي بتقليدهم لعلمائهم في تكفير أو تفسيق أو تبديع !
فإن كان هذا ضمن مراد الدكتور إبراهيم فهذا والله عين الباطل إذ العامة تبع لعلمائهم في هذا الباب والواجب عليهم أن يكونوا مع علمائهم {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} فهل يتوقف العامة في تبديع الجهم بن صفوان والجعد بن درهم يا شيخ إبراهيم؟
وهل يتوقف العامة في تكفير اليهود والنصارى يا دكتور لأن الله لم يتعبدهم بمسائل الأسماء والأحكام؟
وهل يتوقف العامة ولا يتعبدوا بتكفير الروافض والباطنية؟
وهل يتوقف العامة ولا يتعبدوا بتبديع الصوفية وجماعة الإخوان والتبليغ؟
ما هذا الكلام الفاسد الذي تقوله يا دكتور؟
هداك الله وبصرك بالحق
ومما يزيد في الإيهام أنه لما ذكر القسم الأول وفيه مسائل الطهارة والصلاة فهل يقصد أن يجتهد العامة في معرفة الأحكام الشرعية ويقلدوا العلماء في الاستنباط أم يقلدوا العلماء فيما اجتهدوا فيه أو أجمعوا عليه في تلك المسائل؟
هذا سؤال يجيب عنه الدكتور
أما إن كان مقصوده أن لا يشرع للعامة تنزيل الأحكام على المعينين مطلقاً فهذا عين الباطل أيضاً، فهذا إنما يكون في المسائل الخفية لا في المسائل الجلية
فلا يتردد العامي في تكفير من يعتزي إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية ويقوم بأعمالهم التعبدية
ولا يتردد العامي في تبديع من انتسب إلى الرافضة أو الصوفية
بل هذا مما يؤصل عليه العامة ويحذروا من أهل البدع حتى لا يفسدوا عليهم دينهم
أما المسائل الدقيقة فهذا الذي من اختصاص العلماء
فتنبه لهذا ولا تخلط يا دكتور
الملاحظة الرابعة: قول الدكتور هداه الله (والمقصود تنبيه السائل إلى أن التبديع من مسائل الأسماء والأحكام التي يكون النظر فيها للعلماء وليس من مسائل العبادات كسائر الطاعات التي خوطب بها عامة المسلمين وهذا السائل ليس من العلماء فلن يسأل عما لم يؤمر به)
وهذا من تخبط الدكتور ومخالفته لمنهج السلف الصالح
فتقليد العلماء في تنزيل أحكامهم على أهل الكفر أو البدع أو الفسق هو من مسائل الدين ومن العبادات التي هي كسائر الطاعات ولا فرق وهو من الولاء والبراء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله" أليس هذا للعامة والعلماء؟
أليس هذا من العبادات؟
وهل البراءة والمعاداة إلا فرع عن تقليد العامة للعلماء في أحكامهم وإذاعتها بين الناس؟
وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواضح إذا كان العامي يقلد فيه العلماء أليس هذا مما أمر به؟ ومما يتعبد به؟
ومن أين للدكتور أن العبد لا يسأل في قبره عن هذا الأمر العظيم المتعلق بأصل من أصول الدين ألا وهو الولاء والبراء؟
أليس هذا من التألي على الله ؟
فهذا مما يؤكد تخبط الدكتور في هذا الباب وأنه لم يحسنه وأنه يجادل بالباطل
فأنصح الدكتور أن يتوب إلى الله وأن يثوب إلى رشده
الملاحظة الخامسة: تناقضه ووضعه كلام الشيخ العلامة صالح الفوزان في غير موضعه
الدكتور إبراهيم الرحيلي قرر تقريراً جديداً وفصل تفصيلاً مبتدعاً وأراد أن يسند هذه البدعة إلى إمام من أئمة السلفيين
فلما قسم الدكتور إبراهيم الرحيلي موقف العامة مما أجمع عليه العلماء (بغض النظر الآن عما اختلفوا فيه مع أنه يلزمه أيضاً وعليه فيه مأخذ سبق ذكره) مما حكموا فيه على الأعيان بالتكفير والتبديع والتفسيق فحرم على العامة تقليد العلماء في الأسماء، والأحكام في الدنيا مع تقريره أنهم يقلدون العلماء في الأحكام المترتبة على تلك الأحكام (حيث حرم الأصل وأجاز الفرع) تناقض في تعليله تحريم الأول وهو الحكم على الأعيان تبعاً للعلماء حيث جعل من أسباب تحريمه الأحكام المترتبة عليه والجانب العملي منه والذي جعله مما يتعبد به العامي وجاء ليستدل بكلام للشيخ الفوزان على تعليله العليل
فمما علل به الرحيلي تحريم خوض العامة في الحكم على المعين بالكفر والبدعة والفسق تبعاً لما أجمع عليه العلماء قوله (6- أن خوض العامة في هذا يؤدي إلى تفرقهم واختلافهم وتنازعهم لأنهم إن أطلقوا هذه الأسماء فلابد أن يخوضوا في الأحكام المتعلقة بهؤلاء المعينين الذين كفروهم أو بدعوهم وهذا علم دقيق خفي على بعض العلماء فإذا خاض فيه العامة اختلفوا وإذا اختلفوا تنازعوا وتفرقوا ولربما كفر بعضهم بعضاً واعتدى بعضهم على بعض) ثم ذكر كلام الشيخ صالح الفوزان فقال: وقد أشار إلى هذا فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان بقوله: "أولاً : لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضًا هذا يحدث العداوة والبغضاء بينهم"
فهنا يقرر الدكتور إبراهيم الرحيلي أن من أسباب تحريم تقليد العامة للعلماء في تبديعهم وتكفيرهم للمعينين فيما اتفقوا على تبديعه أو تكفيره بأن هذا التقليد يؤدي إلى الخوض في الأحكام المتعلقة بهؤلاء المعينين
مع أنه قال بعد هذا الكلام بأسطر : (القسم الثاني: ما للعامي به تعلق وعبادة وهو معاملته لهؤلاء بحيث يعلم كيفية معاملة الكافر والمبتدع إذا ابتلي بمخالطتهم ومجاورتهم فهذا القسم يجب على العامي تقليد العلماء فيه والاعتداد بتوجيهاتهم وإرشاداتهم تجاهه)
فانظروا إلى هذا التناقض العجيب
لأن العامة إذا لم يقلدوا العالم في تبديعه فلماذا يأخذون بتوجيهات العالم في معاملته لذاك الذي بدعه العالم أو كفره؟
فهل يجوز للعامي أن يبغض شخصاً قد كفره العالم بدون أن يعتقد العامي كفر ذلك المعين؟
وإذا بدع العالم شخصاً فبناء على قول الرحيلي لا يجوز للعامي أن يبدعه! ومع ذلك يجب على هذا العامي المسكين أن يسأل الرحيلي عن تعامله مع هذا الشخص الذي لا يجوز للعامي أن يقلد العالم في تبديعه !
فعلى العامي عند الدكتور إبراهيم أن يأخذ بتوجيه العالم بهجر ذلك المبتدع في الوقت الذي يحرم الدكتور إبراهيم الرحيلي على العامي أن يقلد العالم في تبديعه لذلك المبتدع!!
فبناء على كلام الدكتور الرحيلي فإن خوض العامة في تعاملاتهم مع الكفار والمبتدعة لا يؤدي إلى تنازع ولا خلاف ولا شقاق! ولكن تقليدهم للعالم في تبديعه لفلان أو تكفيره هو الذي يسبب الشقاق والنزاع والخلاف والمضاربات والاعتداءات!!!
ثم ينزل كلام الشيخ الفوزان على تقليد العلماء في الحكم على الأعيان دون تنزيله على كيفية التعامل مع تلك الأعيان مع تلازمها وعدم انفكاكها إلا في مخيلة الدكتور الرحيلي عافاه الله وهداه
وكلام الشيخ صالح الفوزان في واد وتقسيمات وفلسفات الدكتور إبراهيم الرحيلي في واد آخر
فكلام الشيخ صالح الفوزان حول انفراد العامة والمبتدئين الذين لا دراية لهم بأحكام التبديع والتفسيق فيحصل بسبب جهلهم الفتن والشرور وهذا محمول على المسائل الخفية التي لا تظهر للعامة والمبتدئين أما المسائل الجلية كتكفير اليهود وتبديع الجهمية والروافض فهذا مما يجب تعليمه للناس وتفهيمه لهم
أما تقليد العامة لعلمائهم في الحكم على الأعيان بالكفر أو البدعة أو الفسق فمما لم يتطرق له الشيخ العلامة الفوزان بل هذا من تخليط الدكتور الرحيلي وسوء فهمه
أصلحه الله وألهمه رشده
والله أعلم
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment